شيخ الأزهر: علاقة الأبناء مع الآباء يجب أن تقوم على أوامر القرآن ونواهيه، لا على الحرية التى تجعل الابن يناقش أباه أو أمه كأنه يناقش صديقه
تحدث الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، فى برنامجه اليومى، الذى يذاع طوال شهر رمضان المبارك، على الفضائية المصرية قبيل الإفطار، عن بر الوالدين والإحسان إليهما.
وفى بداية اللقاء: أوضح أن بر الوالدين يعنى الإحسان إلى الوالدين فى كل شىء، قولًا وعملًا، فلا يجوز لأحد من الأبناء أن يتحدث بكلمة تسىء إليهما، ولا أن يأتى بأفعال تسىء إليهما، بل لا ينظر إليهما بعينيه نظرة يُفهَم منها أنه ضائقٌ أو ضجرٌ بهما، والقرآن الكريم عنى فى حديثه عن بر الوالدين بمفردات فى غاية الأهمية توضح المراد ببرهما من نحو : الإحسان، الأدب، البرّ، العطف، خفض الصوت، فهذه المعانى يجب أن تسود فى علاقة الأبناء بآبائهم، حتى لو كان هناك رأى للوالديْنِ لايوافق هوى الابن أو البنت، فلا يصح لهما أن يخرجا عن قواعد الأدب فى الحوار.
وأضاف أن المولى سبحانه وتعالى امتدح نبى الله يحيى –عليه السلام- لبره بوالديه: «وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا»{مريم: 14}، وامتدح نبى الله عيسى عليه السلام- لبره بأمه: « وَبَرًّا بِوَالِدَتِى وَلَمْ يَجْعَلْنِى جَبَّارًا شَقِيًّا»{مريم: 32}، وأنَّ عُمدة الاستدلال على وجوب بر الوالدين قول الله تعالى: «وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا» {الإسراء: 23}، فالآية حرمت أدنى شيء يمكن أن يسيء إلى الوالدين، ونهت عن صدور أى كلمة من الابن تشعرهما بأنه ضائقٌ بهما: “فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ” مهما كانت الأعباء والمطالبات، ومهما ثقُلَ عليه كلام الأب أو الأم أو تصرفاتهما، فليس له الحق فى أن يرد عليهما أو يبدى سخطه نحوهما، وهذا ظاهر فى كلمة “أفّ”التى تَنُم عن الضجر والضيق، وأنه لم يعُد يطيق أن يسمع هذا الكلام، فحتى هذه منهى عنها، ومن باب أولى “وَلاَ تَنْهَرْهُمَا” يعنى لا تزجرهما ولا تعنفهما، “وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا” أي: قولًا فيه أدب ومروءة واحترام، «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا» {الإسراء: 24}.
وحث الأبناء والبنات، على طاعة الوالدين والإحسان إليهما؛ لأن هذا أمرٌ قرآنى لا نقاش فيه، فلا بد أن يكون الإنسان أمام أبيه وأمام أمه، نعم الولد، يتكلم بأدب، ينظر بأدب، يتعامل بأدب؛ لأن القرآن الكريم حين تحدث عن بر الوالدين لم يستعمل صيغة التفضيل – أى لم يقل من الأفضل أن تبرهما وتحسن إليهما- وإنما استعمل صيغة النهي: “فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ”، “وَلاَ تَنْهَرْهُمَا” هذه صيغة نهي، تعنى تحريم المنهى عنه، ثم جاء الأمر “وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا”، «وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ»، أي: كن أمامهما كما يكون الذليل أمام سيده، وهذا لا يعنى أنك لا تناقش والديك، بل ناقشهما، ولكن بأدبٍ واحترام؛ لأنهما صاحبا الفضل عليك بعد الله، وفضل الأم يفضُل الأب ثلاث مرات، فالحديث الشريف يقول: “جَاءَ رَجُلٌ إلى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صُحْبَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: (ثُمَّ أَبُوك)”.
وأكد أن علاقة الأبناء مع الآباء يجب أن تقوم على أوامر القرآن ونواهيه، لا على الحرية التى تجعل الابن يناقش أباه أو أمه كأنه يناقش صديقه، أو كأنه يناقش أخاه، أو كأنها علاقات ندية، فهذه ليست حرية، وإنما هى إثم ومعصية، ودعا فضيلته الشباب إلى أن يتنبَّهوا إلى هذا، وأن يُفرِّقوا بين معاملتهم للوالدين وبين معاملتهم الندية مع أصدقائهم أو مع إخوتهم، وتأسف على حال النشء والشباب الذى أصبح يأخذ تربيته ونشأته من الإعلام أكثر مما يأخذ من الأب والأم والمدرسة.